أحرقوا جنتي + هدية = )

    
     كان يامكان في هذا الحاضر والزمان كانت هناك غابة صغيرة نائية وجميلة أغصان أشجارها النضرة الحنون تُفسح لأشعة الشمس ولأنوار القمر بالتسلل بينها لتزيدها سحراً وجمالاً، يتخلل الغابة جدول صغير ذو ماء عذب رقراق تتجمع حوله دائماً ألطف الحيوانات الصغيرة، وبالقرب من الجدول كان يوجد كوخ خشبي صغير تسكنه فتاة ذات عينين واسعتين إذا نظرت لهما خُيل لك أنهما تحتويان الكون بكل جماله. 
     كانت فتاتنا كل يوم تستيقظ مع الطيور لتحيا يومها في صلاة دائمة لخالقها المنان المتفضل عليها بالجود والكرم، وتعود إلى كوخها مع قدوم المساء لتنسج على ضوء القمر أحلى الحكايا عن عالمها الجميل الذي لم نجده حتى الآن!.. أما لماذا لم نجده فسأخبركم وهاهنا تكمن الحكاية.. 
     استيقظت فتاتنا في أحد الأيام وهي تحس بشعور غريب وكأن يومها هذا ليس كسائر أيامها الأخرى وكان هدوء غريب يُثقل الأجواء، فخرجت مسرعةً من كوخها لترى دنيا غير التي اعتادت رؤيتها، كانت الأشجار مجرد هياكل يابسة خالية من الحياة، والشمس تنشر أشعة محرقة على كل شيء، أيضاً.. لا طيور لاحيوانات ولا حتى جدول ماء صاف؛ فكل مابقي حفرة كبيرة من الوحل! . كان هذا يحصل للمرة الأولى ولما لم تعرف لهذا سبباً قررت أن تتعدى حدود الغابة لأول مرة علها تعرف السبب.
    خرجت و كل ما كانت تعرفه أن الغابة محاطة بسهول خضراء واسعة وغير مسكونة، لكنها فوجئت بصحراء جرداء تضاهي غابتها في فقدان الحياة، وبعد وقت من المسير رأت شيئاً غريباً.. رأت مبانٍ حجرية شاهقة وأشياء تطير في الجو وأخرى على الأرض وأناس كثيرون يروحون ويجيئون، كان المكان كزوبعة كبيرة لاتهدأ ولا تتوقف. من باب عملاق دخلت إلى جوف المدينة وماإن دلفت إلى جوفها حتى أحست بشيء غريب يقبض على صدرها وصار تنفسها صعباً كأنها تجر الهواء مثقلاً بما لم تعرف.
    فجأة سمعت صوت صراخ وبكاء فالتفت لتجد رجلاً ينهال ضرباً بسوطه الغليظ على جسد نحيل لطفل لا يجد مايقى نفسه به سوى كفه الصغير، فأسرعت فتاتنا مرتاعة لتلقي بجسدها على جسد  الطفل محاولة صد الضربات لكن الطفل مازال يتألم والسوط ما زال يأكل من جسده فحاولت إمساك يد الرجل المتوحش لكن يدها لم تستطع إمساك يده بل مرّت خلال يد الرجل!.. وهنا أدركت أن لا أحد هنا يراها أو يشعر بها، انتهى الرجل من نوبة جنونة وجرّ الطفل معه إلى مكان ما، أما هي فبقيت تارة في يدها وتارة في البشر الغريبين حولها وبعد ساعة من مئات الأسئلة التي كانت تداهم عقلها قررت إكمال المسير.
    كلما تجولت ازدادت جراحات قلبها بما تراه ولا تستطيع دفعه فمن كل مكان كانت تطل العيون السوداء والحمراء وتشيع رائحة الدم، وفي الزوايا البائسة يسكن المستضعفون الذين لم يجدولا لهم مكان في هذا العالم. حلّ الليل وأطل القمر شاحباً لكن المدينة وأهلها مازالوا مستيقظين، والناس في غدو ورواح دائم وكأنهم يعيشون سباقاً لا ينتهي مع أنفسهم ولكن.. إلى اللا شيء! فهو سباق وهمي ومضمار مغلق على نفسه يدورون فيه كأنهم مغيبوا إلى العقل إلى اللانهاية.
   وحدها تجول وتزداد آلامها وقد عرفت الآن لم فقدت غابتها بل حياتها ولم فقد هذا الكون كل روعته، جالت حتى أنهكها التعبغالااتخذت لها زاوية وراحت تتمتم بما تذكره من الحكايا الجميلة وعلى خديها دموع تنبع من عينين صارت مسكناً للجراح والألم، تتمتم لكل ساكني ذلك العالم.. لكل حارقي جنتها.. تتمتم علّهم يسمعونها ويذكرون لمَ وُجدوا أصلاً.
    ظلّت تتمتم وتصب الدمع حتى آخر نفس من أنفاسها لتسقط على الأرض الجافة وتتلاشى، ولكن وياللعجب صار محلها وردة بيضاء نقية، وهذه المرة لا أقول لم يلاحظها أحد فالشمس لطفت من حرارة أشعتها، والقمر يعيرها اهتمامه كل ليلة، وأمامها يقف البشر ملياً يتأملون روعتها ليغادروها وفي قلوبهم ثغرة يتسلل منها نور عجيب، ولا أقول أن ذوي العيون السوداء والحمراء تركوها لكنهم كلما حاولوا إنهائها لفتوا أنظاراً أكثر لها، حتى صار متأملوها ممن تشبعوا بها حتى انعكست صورتها جلية كحقيقة أزلية في قلوبهم يرسمونها ويغنونها، وإذا ما خُنقوا لحبهم لها خلّفوا قلوبهم على الأرض العطشة الجافة زهوراً مثلها..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحبتي.. 
بقي فقط أربعة وعشرون يوماً من
الضيافة الإلهية.. 
الكرم الإلهي.. 
الرحمة الإلهية..
فماذا نحن فاعلون بها ؟!
لكم هدية

هناك 9 تعليقات:

  1. القصة رااااااااائعة في غاية الرووعة أعجبتني جداً ...


    شكراً لكِ أختي العزيزة على الهدية :)


    قطرة وفا

    ردحذف
  2. أهلاً بعزيزتي.. أسعدني تواجدك هنا مجدداً
    شكراً لكِ
    ودمتي أبداً في رعاية الله
    أسألكِ الدعاء

    ردحذف
  3. شكرا جداً على الهدية اعجبني العرض بوربوينت صلاة الليل بعض احكام والتسهيلات لم اكن اعرفها

    كنت اظن ان صلاة الليل ومستحباتها كنت احسبها واجبه هكذا تكون صلاة الليل ولا بلاش لذلك كنت استصعبها

    بجد حمستيني ايضا اليوم شاهدت برنامج لسيد سامي خضرا بقناة المعارف كان عنوان حلقة عن صلاة الليل وقال جميع العلماء والصالحين بمنذ القدم للان يصلون صلاة الليل وعدم الصلاة يدل عدم التوفيق

    واحنا نسهر ونواصل لصبح ولا نصلي :( << استغفر الله


    الله يجعلنا واياك من المواظبين عليها

    ردحذف
  4. رد خاص عن القصه


    رائعه جدا وباسلوب جميل ينفع تحكى للاطفال
    ولكن نهايتها الفتاة التى هي روح فقط تتحول الى زهره لم احبذ هكذا نهايه حسيتها مثل قصص الاجانب :)


    ربما تقصدي للقصه هدف لتحول الروح الى ورده ولكن غير واضح لي

    ردحذف
  5. جني مافهمت القصة !
    عموما تسلم ايدج

    ردحذف
  6. أوراق الغالية..
    فعلاً العرض رائع جداً وأنا أيضاً كنت مثلكِ أظنها أصعب
    رغم أن الإسلام دين اليسر وكثير من الأمور مسهلة لنا في الواجبات فكيف بالمستحبات.. الله يرزقنا دوام عنايته ولطفه
    أما القصة بالنسبة للفتاة لم أقصد بها الروح أو أنها موجودة حقيقة بل هي رمز لشيء طاهر ربما كالفطرة أو شيء من هذا
    وشكراً لكِ أخية :)

    ردحذف
  7. أحمد محمدي..
    رغم أنني أجد الغموض في بعض تدويناتك أحياناً لكن لم أتوقع أن يكون في تدويناتي غموض أيضاً!
    عموماً أهلاً بك لحضورك

    ردحذف
  8. أسلوب شيق ..


    وسرد ممتع ..


    نهاية ذات مغزى .. بل القصة بإجمعها ذات مغزى ...



    دمتِ |||

    ردحذف
  9. أهلاً أخية زهراء
    شكراً للطف كلماتك وحضورك
    أدامك الله بخير :)

    ردحذف

ألقي نوراً من فكرك لنستفيد :)